languageFrançais

كيف حوّل الحوثيون التجارة البحرية في البحر الأحمر إلى 'مثلث برمودا'؟

في الوقت الذي يشهد فيه العالم تحوّلات متسارعة، يبرز اسم "أنصار الله"، أو ما يُعرف بالحوثيين، كواحد من أكثر الفاعلين تأثيرًا في الساحة اليمنية والإقليمية. فما بدأ كحركة دينية محلية في شمال اليمن، تحوّل خلال عقدين إلى قوّة عسكرية ذات امتدادات سياسية واستراتيجية، وصلت عملياتها إلى المياه الدولية في البحر الأحمر، مهددةً أمن الملاحة العالمية.

من هم الحوثيون؟

الحوثيون، ويُعرفون أيضًا باسم أنصار الله، هم جماعة دينية وسياسية مسلحة تنتمي إلى الطائفة الزيدية، وهي فرع من المذهب الشيعي. نشأت هذه الجماعة في شمال اليمن، وخاصة في محافظة صعدة.

تأسست الجماعة على يد حسين بدر الدين الحوثي، وكانت في بدايتها حركة دينية تهدف إلى إحياء الفكر الزيدي ومواجهة ما اعتبرته تهميشًا دينيًا وثقافيًا لأتباع هذا المذهب. ومع الوقت، تحولت إلى حركة مسلحة ذات طموح سياسي.

دخل الحوثيون في سلسلة من الحروب مع الحكومة اليمنية بين عامي 2004 و2010. ثم في عام 2014، سيطروا على العاصمة صنعاء وأطاحوا بالحكومة المعترف بها دوليًا، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية واسعة.

اليوم، يسيطر الحوثيون على مناطق واسعة من شمال وغرب اليمن، ويُعدّون طرفا رئيسيا في الصراع اليمني الذي خلف أزمة إنسانية حادة وأثرا إقليميا واسعا.


أبرز الهجمات في البحر الأحمر

منذ أواخر عام 2023، صعّد الحوثيون في اليمن هجماتهم على السفن في البحر الأحمر، وخصوصا تلك التي لها ارتباط بالاحتلال الإسرائيلي  والولايات المتحدة  وبريطانيا. جاءت هذه الهجمات في سياق دعمهم المعلن لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" وطوفان الأقصى خلال الحرب في غزة، حيث أعلنوا أن البحر الأحمر بات "ساحة مواجهة مفتوحة".

في نوفمبر 2023، نفّذ الحوثيون واحدة من أبرز عملياتهم، حين استولوا على السفينة التجارية Galaxy Leader، واقتادوها مع طاقمها إلى ميناء الحديدة. تلتها سلسلة هجمات استهدفت سفنًا مثل True Confidence، التي أدى الهجوم عليها في مارس 2024 إلى مقتل عدد من البحارة، وكذلك السفينة Rubymar التي تضررت وغرقت لاحقًا.

الأسلحة المعتمدة

اعتمد الحوثيون في هذه العمليات على صواريخ كروز وباليستية بحرية، بالإضافة إلى طائرات مسيّرة هجومية. وقد تركزت الهجمات قرب مضيق باب المندب، وهو ممر مائي استراتيجي تمر منه نسبة كبيرة من التجارة البحرية العالمية.

لم تقتصر الهجمات على السفن التجارية، بل شملت أيضًا محاولات لاستهداف سفن حربية أمريكية وبريطانية كانت تقوم بحماية الملاحة في المنطقة. وردّت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بضربات جوية متكررة على مواقع حوثية في صنعاء وصعدة والحديدة، في محاولة لإضعاف قدرات الجماعة.

تسبّبت هذه الهجمات في اضطراب كبير بحركة التجارة العالمية، حيث اضطرت شركات شحن عملاقة مثل Maersk وHapag-Lloyd إلى تغيير مساراتها وتجنّب المرور من البحر الأحمر، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة الشحن وتأخير وصول البضائع حول العالم.

2025.. العودة بقوة

في أوائل جويلية 2025، وبعد سبعة أشهر من التوقف النسبي، استأنف الحوثيون حملتهم ضد السفن التجارية. في 6 جويلية، شُنت أولى الهجمات على السفينة اليونانية – الليبيرية Magic Seas بصواريخ، طائرات مسيّرة، زوارق هجومية، وقنابل يدوية، مما أدى إلى احتراقها وتعرضها للغرق. تم إجلاء جميع بحّارتها من قبل فرق الإنقاذ الإماراتية.

بعدها بيوم، في 7-8 جويلية، هاجم الحوثيون السفينة الأخرى Eternity C، مستخدمين زوارق مسلحة، صواريخ كروز وباليستية، طائرات مسيرة، وقنابل يدوية. أسفر الهجوم عن مقتل ما لا يقل عن أربعة بحّارة، وإصابة آخرين، وفقدان واحتجاز عشرات آخرين كرهائن .

الهجمات اليومية خلال هذا الأسبوع أثارت موجة استنكار دولي واسعة. أُغلقت العديد من خطوط الملاحة الرئيسية مؤقتًا، وارتفعت قِيَم التأمين البحري إلى نحو 1 % من قيمة البضائع، مقارنةً بـ 0.3 % قبل الهجمات .

ردّت القوّات الغربية الأمريكية والمملكة المتحدة بضربات جوية على مواقع الحوثيين الساحلية، كما شنت إسرائيل ضربات جوية مركّزة على مرافئ ميناء الحديدة ومواقع تخزين أسلحة، بما في ذلك السفينة الصناعية "Galaxy Leader" التي تم الاستيلاء عليها سابقًا وتم استخدامها لأغراض رصد البحر

تكشف الهجمات البحرية التي شنها الحوثيون عن تحول لافت في طبيعة الصراع اليمني، من نزاع داخلي إلى تهديد يتجاوز حدود البلاد ويطال الأمن الإقليمي والدولي. صحيح أن الجماعة أظهرت قدرة على التأثير في ممرات استراتيجية حساسة، لكنها في المقابل تدفع اليمن نحو مزيد من العزلة الدولية، وتعمّق معاناة شعب يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

من جهة أخرى، فإن ردود الفعل العسكرية الغربية والإسرائيلية، وما يصاحبها من تصعيد، تنذر بتحول البحر الأحمر إلى ساحة مواجهة مفتوحة، تهدد الاستقرار الإقليمي وتهدد مصالح الجميع، بما في ذلك الدول العربية المطلة عليه.